اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 374
من فتنتهن
حيث قالَ رَبِّ يا من رباني بأنواع اللطف والكرم والعصمة والعفاف السِّجْنُ الذي قد اوعدتنى به هذه المرأة أَحَبُّ إِلَيَّ وآثر عندي مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ هؤلاء الطغيات البغيات الغويات وَإِلَّا تَصْرِفْ بفضلك وعصمتك يا ربي عَنِّي كَيْدَهُنَّ ولم تحفظني من مكرهن بإلقاء البرهان العقلي والكشفى في سرى أَصْبُ امل انا إِلَيْهِنَّ واتحنن نحوهن بمقتضى القوى البهيمية وَحينئذ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ المتابعين لشيطان الشهوة الخارجين عن مقتضى العقل المفاض من المبدأ الفياض وبعد ما أخلص في مناجاته وأبر في رجوعه وعرض حاجاته
فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ ما ناجاه فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ وحفظه عن مكرهن إِنَّهُ لذاته وبمقتضى أوصافه وأسمائه هُوَ السَّمِيعُ لمناجات عباده الْعَلِيمُ بحاجاتهم منها ونياتهم فيها
ثُمَّ بَدا ولاح لَهُمْ اى للعزيز وأصحابه مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ اى بعد رؤيتهم علامات الصدق وامارات العصمة والعفاف سيما بشهادة الطفل الرضيح بطهارته وصدقه مع انه لم يعهد من أمثاله هذه فتشاوروا في امره وتأملوا في شأنه فاستقر رأيهم لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ لئلا يلحق العار على راعيل ولا ينتشر بين الأنام صدقه وعصمته وقبح صنيعها وفاحشة فعلها بل يحسبونه مجرما وراعيل غير متهمة لذلك حملوا الجرم عليه وراموه افتراء فأدخلوه في السجن انتقاما ومراء
وَدَخَلَ مَعَهُ اى مع يوسف السِّجْنَ في تلك المدة فَتَيانِ من أعوان الملك شرابيه وخبازه بتهمة قد اتهما بها وهي معروفة فلما تفرسا منه الرشد والنجابة وصفاء الصورة والأخلاق قالَ أَحَدُهُما وهو الشرابي مستعبرا عنه حاكيا عما مضى إِنِّي أَرانِي في المنام أَعْصِرُ ماء العنب لاتخذ منه خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ وهو الخباز إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً مع طبق تَأْكُلُ وتنهش الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ وأخبرنا عما يئول اليه ويئول به رؤيانا إِنَّا نَراكَ في بادى الرأى مِنَ الْمُحْسِنِينَ الصالحين المصلحين لمفاسد الأنام وتفصيل ما يشكل عليهم ومن جملته تعبير الرؤيا ثم لما تفرس يوسف منهم الإخلاص وحسن الظن بالنسبة اليه بادر قبل الاشتغال بالتعبير الى تمهيد مقدمة دالة على التوحيد والايمان والمعرفة والإيقان منبهة على استقلال الحق الحقيق بالحقية في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله وجميع آثاره الحادثة في الكائنات والفاسدات وعلى نبوته وعلو رتبته وتشرفه بخلعة الخلة والخلافة من عنده سبحانه
حيث قالَ أولا لا يَأْتِيكُما في المستقل طَعامٌ تُرْزَقانِهِ لسد الجوعة وتقويم المزاج إِلَّا نَبَّأْتُكُما وأخبرتكما انا أولا بِتَأْوِيلِهِ وتبيين ماهيته وكيفية تأثيره وتوليده من الأخلاط وتقويته للمزاج كيف هو وعلى اى وجه قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما وقبل ان يظهر عندكما بمدة ذلِكُما اى تعبير رؤيا كما وتأويل طعامكما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي من جملة الأمور التي قد علمني ربي من لدنه حيث اطلعنى على رقائق المناسبات ودقائق الارتباطات والازدواجات الواقعة بين أجزاء العالم وجريانها على التفصيل المشروح المثبت في الأعيان الثابتة في عالم الأسماء والصفات المنبسطة على ظواهر الأكوان إِنِّي بعد ما انكشف الغطاء عن بصرى وارتفعت الحجب عن بصيرتي قد تَرَكْتُ بتوفيق الله إياي مِلَّةَ قَوْمٍ ذوى حجب لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وبتوحيده واستقلاله في الوجود وكذا في التصرفات والآثار الصادرة الظاهرة على صفحات الكائنات بمقتضى الجود وَمع ذلك هُمْ بِالْآخِرَةِ اى النشأة المعدة لجزاء ما جرى عليهم في هذه النشأة هُمْ كافِرُونَ منكرون جاحدون
وَبالجملة قد اتَّبَعْتُ انا في سلوك طريق التوحيد مِلَّةَ آبائِي
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 374